رمزية العلم المصري
يحمل كل لون في العلم المصري دلالة رمزية مهمّة في وعي الشعب. فوفقًا للتفسيرات الرسمية فإن اللون الأحمر في أعلى العلم يرمز إلى دماء الشهداء التي أُريقت دفاعًا عن الوطن ويعكس التوهج والأمل والقوة. أما اللون الأبيض في الوسط فيدل على السلام والاستقرار وعلى مستقبل مشرق للبلاد، ويتوسّطه النسر الذهبي الذي يعبر عن عراقة الحضارة وقوة مصر. بينما يُمثّل اللون الأسود في الشريط الأسفل العصور الماضية من الاستبداد والاستعمار التي تخلّصت منها مصر، أي أنه يرمز إلى نهاية الظلام وبداية عهد جديد من الحرية. وقد أصدر ضباط ثورة يوليو 1952 هذه الدلالات اللونّيّة المعنوية، ولا تزال قِيَمها حاضرة في وعي المصريين عند رؤية علمهم الوطني.
وصف العلم المصري
طبقًا للقانون المصري، يكون العلم مستطيلاً بنسبة عرض إلى طول 2:3. الشريط العلوي للعلم لونه أحمر، يتبعه الشريط الأبيض في الوسط، ثم الشريط الأسود في الأسفل. في وسط الشريط الأبيض يقع شعار نسر صلاح الدين باللون الذهبي، ويتجه رأسه نحو يمين الراية. يرمز هذا النسر إلى القوة المصرية وعراقة تاريخها. وعلى قاعدة النسر الذهبي مكتوب اسم الدولة «جمهورية مصر العربية» بالخط الكوفي الذهبي، ويظهر النص بوضوح على خلفية النسر. يُميّز هذا الشعار العلم المصري عن علم أي دولة أخرى، وهو رمز رسمي للدولة حسب الدستور.
مخطط الألوان
تستند ألوان العلم المصري إلى مواصفات رسمية تحدد الدرجة الدقيقة لكل منها. فالشرائط العرضية تكون بالترتيب: الأحمر (في الأعلى)، الأبيض (في الوسط)، الأسود (في الأسفل)، بالإضافة إلى اللون الذهبي لشعار النسر. وقد حُدّدت رموز لونية قياسية لهذه الألوان، مثل الأحمر برمز الـ16ي #CE1126، والأبيض #FFFFFF، والأسود #000000، والذهبي للنسر #C09300. هذه الرموز تضمن ثبات درجة اللون في التصاميم الرسمية. وفي الممارسة اليومية لا تحتاج الجهات العامة إلى ذكر الرموز اللونية، فالتركيبة اللونية الأفقيّة واضحة للعيان وتؤدي غرضها الرمزي في تذكير الجميع بمعانيها الوطنية.
العلم في الدستور والقانون
ينص الدستور المصري (المادة 223) على أن العلم الوطني لمصر «مكون من ثلاثة ألوان هي الأسود والأبيض والأحمر، وبه نسر مأخوذ عن نسر صلاح الدين باللون الأصفر الذهبي». ويؤكد الدستور أن العلم جزء لا يتجزأ من الرموز الوطنية، كما ينص على اعتبار إهانة العلم جريمة يعاقب عليها القانون. وكُتبت تفاصيل إضافية في القانون رقم 41 لسنة 2014 بشأن العلم، الذي أكد أنه رمز من رموز الدولة يجب احترامه وتوقيره. يحدد القانون شكل العلم بدقة: فهو علم مستطيل عرضُه ثلثا طوله، يعلوه اللون الأحمر ويليه الأبيض ثم الأسود، وفي وسط الشريط الأبيض نسر صلاح الدين ذهبي اللون. بالإضافة إلى ذلك، يمنع القانون رفع أي علم آخر على نفس سارية العلم الوطني أو أعلى منه، ويحرّم استخدام العلم في أغراض تجارية أو سياسية بما يُسيء لشخصيته. بشكل عام، تؤكد التشريعات المصرية على أن العلم الوطني رمز مقدس، ويجب عدم المساس به أو خفضه أو تشويهه، وإقامة عقوبات قانونية مشدّدة على من يخالف هذه القوانين.
أعراف ومراسم التعامل مع العلم
إلى جانب القوانين، هنالك تقاليد وأعراف متبعة في رفع العلم وحفظه. من هذه الأعراف:
- رفع العلم بالحبل وخفضه بأسلوب احتفالي. يجب رفع العلم بخفة وسلاسة باستخدام الحبل إلى قمة السارية ثم خفضه بتؤدة عند الحاجة. عند إعلان حالة حداد رسمي، يُنزل العلم إلى منتصف السارية بعد رفعه بالكامل إلى القمة ثم خفضه تدريجيًا إلى نصف السارية. ويرفع العلم مقلوبًا (بقية النجوم إلى الأسفل) فقط في حالات الاستغاثة أو الظروف الطارئة.
- إحترام العلم الكامل. ينبغي أن يُرفع العلم ونزعه بطريقة احتفالية، وألا يُعرَض العلم ممزقًا أو متسخًا؛ فالقانون يمنع تمامًا عرض العلم إذا كان باليًا أو به ثقوب أو بهتان في الألوان. كما يُحظر بالمرة طباعة أي عبارات أو رموز أو صور على العلم.
- عدم لمس الأرض. من المراسم المهمة ألا يلامس العلم الأرض أو أي سطح آخر أثناء رفعه أو إنزاله. يرفع العلم أولًا ثم يُخفض بحذر بحيث لا يمسّ الأرض أو أي شخص. ويمنع بشكل قاطع استخدام العلم كزينة توضع على الأرض أو سطح.
تاريخ العلم المصري
مرت مصر منذ القدم بعدّة أعلام تعكس تغيرات الحكم والسياسة:
العلم أثناء حكم الأسرة العلوية (1805 - 1953)
عند قيام الأسرة العلوية بزعامة محمد علي باشا (1805-1848)، كان العلم المصري مشابهًا للعلم العثماني الأحمر التقليدي، لكن مع تعديل واحد: فقد أُضيف هلال عثماني أبيض وخمسية بيضاء تميّزه عن العلم التركي. كان هذا النجم الخماسي مستمدًا من رموز مُتوارَثة في الحضارة المصرية القديمة. كما حرص محمد علي على تجهيز أعلام خاصة لكل فرقة عسكرية من الجيش، حيث كانت هذه الأعلام من الحرير الأبيض مطرزة بآيات قرآنية.
وفي عام 1867، وفي عهد الخديوي إسماعيل، استُحدث علم جديد مكوّن من خلفية حمراء عليها ثلاثة أهلة بيضاء أمام كل هلال نجم أبيض خماسي. كانت هذه الأهلة والنجوم ترمز بالأساس إلى ثلاث مناطق رئيسية في مصر (مصر العليا – مصر السفلى – السودان) أو وفقًا للمعنى الرسمي إلى ثلاث قارات (إفريقيا وآسيا وأوروبا) ظفر الجيش المصري فيها ببطولات. استمر هذا العلم معتمَدًا رسميًا في عهد الخديوية حتى عام 1882.
عندما احتلت بريطانيا مصر عام 1882، استمر العلم الأحمر السابق مستخدمًا رسميًا، ثم أعلنت بريطانيا الحماية المصرية عام 1914 (مع انتهاء الارتباط بالدولة العثمانية) وإقامة السلطنة المصرية. وفي هذه الفترة أعيد اعتماد علم إسماعيل (بتعديل طفيف على النجوم) حتى عام 1923. بعد ذلك، وفي عام 1923، أعلن قيام المملكة المصرية وباشر محمد علي ملكًا عليها، فاتُبع علمٌ جديد للملكية عرف باسم العلم الأهلي. كان هذا العلم من خلفية خضراء يتوسطها هلال أبيض وثلاثة نجوم بيضاء، وقد اعتمد بقانون في ديسمبر 1923. اللون الأخضر في هذا العلم يرمز إلى خضرة وادي النيل ودلتا مصر وغنى طبيعتها، ويرمز أيضًا إلى الإسلام الذي يعتنقه أغلب المصريين. أما النجوم الثلاثة، فقد فسرها البعض بأنها ترمز إلى أجزاء المملكة المكونة (مصر والنوبة والسودان)، ورأى آخرون أنها تمثل الأديان الثلاثة الرئيسية في البلاد (الإسلام والمسيحية واليهودية). ظل العلم الأخضر هذا العلم الرسمي حتى إعلان الجمهورية عام 1953.
العلم في عصر الجمهورية (1953 - الآن)
مع قيام الجمهورية في يوليو 1953 وإلغاء الملكية، استُخدم علم التحرير أو علم الثورة الخاص بثورة يوليو 1952 كعلم وطني لمصر. كان هذا العلم من ثلاثة ألوان (أحمر – أبيض – أسود) مماثلة للألوان السابقة ولكن مع شعار جديد. حسب التفسير الرسمي، فقد رأى الثوار أن الأحمر يرمز لدماء الشهداء التي أريقت في سبيل التحرر عبر العصور، وأن الأبيض يرمز للعهد الجديد والسلام والرخاء، وأن الأسود يرمز للعهد البائد والاستعمار. في وسط الشريط الأبيض وُضع نسر صلاح الدين الذهبي، وهو نفسه النسر الذي نقشته الدولة الأيوبية في القاهرة، وعلى درع دائري أخضر أمام النسر وضع الهلال والنجوم الثلاثة (رمز العلم الأهلي السابق). بذلك جمع العلم بين رموز الثورة الجديدة وشعار الدولة القديمة.
في عام 1958، تغير اسم الدولة إلى الجمهورية العربية المتحدة مع دخول سوريا في اتحاد سياسي مع مصر. وبتلك المناسبة أُجري تعديل على العلم: فقد استُبدل شعار النسر بعلامتين بسيطتين مكونتين من نجمتين خضراء خماسيتين على الشريط الأبيض. مثل هاتان النجمتان مصر وسوريا معًا في الاتحاد. وظل هذا العلم التقليدي (أحمر-أبيض-أسود بنجمتين خضراوين) العلم الرسمي لمصر طوال فترة الاتحاد حتى عام 1961، ثم استمر استخدامه في مصر حتى عام 1971.
بعد ذلك، في عهد الرئيس أنور السادات عام 1972، اتحدت مصر وليبيا وسوريا في اتحاد الجمهوريات العربية. ولأجل هذا الاتحاد صُمّم علم جديد مكون من الألوان الثلاثة نفسها (أحمر-أبيض-أسود) لكن بأحرف وشعار مختلف. ففي منتصف الشريط الأبيض رُسم صقر قريش ذهبي اللون وهو شعار الاتحاد، وكتب أسفل الصقر «اتحاد الجمهوريات العربية»، مع تمييز اسم كل دولة عضو أسفل ذلك. رفع الجيش المصري هذا العلم في حرب 6 أكتوبر 1973 أثناء تحرير سيناء، وكان رمزًا لوحدة الدول العربية المشاركة.
في عام 1984، وبعد انفصال مصر رسميًا عن اتحاد الجمهوريات، أصدر الرئيس مبارك القانون رقم 144 الذي ألغى علم الاتحاد عدليًا وعاد إلى الشعار الوطني الأصلي. اشتمل التعديل على استبدال الشعار في الوسط بأن يكون نسر صلاح الدين الذهبي كما في الحاضر بدلاً من صقر قريش. وقد ظل هذا العلم ذو النسر الذهبي هو العلم الرسمي لمصر إلى يومنا هذا، مع احتفاظ الألوان الثلاثة وأبعادها الثابتة.
تأريخ الأعلام المصرية الرسمية
فيما يلي جدول زمني يوضح الأعلام الرئيسية التي اعتمدتها مصر خلال تاريخها الحديث:
الفترة الزمنيّة | العلم الرسمي (وصف مختصر) |
---|---|
30 قبل الميلاد – 395 م | علم الإمبراطورية الرومانية (رمز حكم روما في مصر) |
639 – 661 م | علم الخلافة الراشدة (اللون الأسود) |
661 – 750 م | علم الدولة الأموية (اللون الأبيض) |
750 – 969 م | علم الدولة العباسية (اللون الأسود) |
969 – 1171 م | علم الدولة الفاطمية (اللون الأخضر) |
1171 – 1250 م | علم الدولة الأيوبية (اللون الأصفر/الذهبي) |
1250 – 1517 م | علم دولة المماليك (غالبًا اللون الأحمر أو الأسود) |
1517 – 1826 م | علم الدولة العثمانية (أحمر به هلال ونجمة بيضاء) |
1826 – 1867 م | علم إيالة مصر العثمانية (نفس العلم العثماني الأحمر التقليدي) |
1867 – 1882 م | علم الخديوية المصرية (أحمر بثلاثة أهلة بيضاء وأربعة نجوم بيضاء) |
1882 – 1914 م | علم الخديوية (إسماعيل) تحت الاحتلال البريطاني (نفس التصميم السابق) |
1914 – 1922 م | علم السلطنة المصرية (الإسماعيلية) – استمر فيه علم إسماعيل الرسمي |
1923 – 1953 م | علم المملكة المصرية (“العلم الأهلي” الأخضر به هلال أبيض وثلاث نجوم) |
1953 – 1958 م | علم جمهورية مصر (علم ثورة 1952 الأحمر-أبيض-أسود بنسر صلاح الدين) |
1958 – 1971 م | علم الجمهورية العربية المتحدة (أحمر-أبيض-أسود بنجمتين خضراوين) |
1972 – 1984 م | علم اتحاد الجمهوريات العربية (أحمر-أبيض-أسود بصقر قريش ذهبي) |
1984 – الآن | علم جمهورية مصر العربية الحالي (أحمر-أبيض-أسود بنسر صلاح الدين الذهبي) |
الخاتمة
في الختام، يظل العلم المصري رمزًا خالدًا لتاريخ مصر وهويتها الوطنية. تنعكس في ألوانه الثلاثة وتجسيده للنسر الذهبي مسيرة النضال الطويلة التي خاضها المصريون من أجل الحرية والاستقلال، وتوحّد أبناء الوطن تحت راية واحدة. ولأن العلم فوق كل الخلافات، فقد أولاه الدستور والقانون مكانة خاصة تحميه من الإساءة وتفرض احترامه في جميع المناسبات.
يبقى فهم رمزية العلم والالتزام بمبادئ التعامل معه جهدًا مشتركًا نؤديه جميعًا، من خلال رفعه بفخر في المدارس والمؤسسات الحكومية وفي الاحتفالات الوطنية، والالتزام بقواعد إكرامه المنصوص عليها شرعًا وعرفًا. فالعلم لا يقف عند كونه قطعة قماش، بل هو وثيقة حيّة تروي مسيرة شعب مصر من الماضي إلى الحاضر، وتمثل وحدته وتاريخه الزاخر. إن احترام العلم والالتزام بتحيته ومراعاة أعرافه هو تقليد وشرف يلتزم به المصريون في كل زمان ومكان.
المصادر: